بقلم هشام صلاح
مدير عام الموارد البشرية بجامعة السادات
رغم كل الجهود الدولية المبذولة فان الإرهاب والتطرف العنيف مازال يواصلان النمو في مختلف دول العالم ، على سبيل المثال ، فخلال الفترة الأخيرة حققت جماعات تابعة لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" تتقدما كبيرا في مناطق مثل الساحل خليج غينيا، حتى ان دولة مثل فرنسا التي يوجد لها تواجد تاريخي في تلك المناطق قررت الانسحاب منها تاركة الوضع يزداد تدهورا هناك.
ولم يعد الإرهاب والتطرف متمثلا فقط في التوجهات الدينية، بل أصبحت حركات النازيين الجدد وحركات تفوق البيض تشكل بسرعة التهديدات الرئيسة للأمن الداخلي للعديد من دول العالم الأول.
حتى ان اخر تقرير صادر عن الأمم المتحدة فيما يتعلق بنمو تلك الظاهرة اكد على ان الإرهاب حاليا بات يتغذى على الأزمات المتعددة التي تواجه العالم مثل أزمتي الغذاء والطاقة و"الجحيم المتقد" لتغير المناخ بما في ذلك الفقر والتمييز والإحباط وأوجه القصور في البنية التحتية والمؤسسات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولكن التقرير لفت الى ظاهرة جديدة وهو انتشار الكراهية عبر الإنترنت من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي تعمل على مدار الساعة في بث السموم الفكرية والاراء المتطرفة لاستقطاب الشباب الذى يمثل الشريحة الأكبر والأكثر استخداما لتلك الشبكات. حتى أضحت وسائل التواصل الاجتماعي عبر العديد من التطبيقات هى القاعدة الأساسية لتجنيد الشباب فكرياً من خلال بث سمومها المتطرفة وتحديد أهدافها ورسم سياساتها والتواصل بين الخلايا الإرهابية.
وهذه التطبيقات أصبحت ملاذًا امنا لنشر الإرهاب والتطرف بما توفره من مزايا رئيسة أهمها قوة التشفير التي تجعل المراسلات عليها أكثر أمناً ومن ثم يصعب اختراقه من جانب الأجهزة الأمنية ناهيك عما تتيحه التطبيقات من إمكان تحديد الجمهور المستهدف بدقة.
المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال" تعاون خلال الأعوام الأربعة الماضية مع احد تلك التطبيقات الشهيرة وهو "تيليغرام" من خلال مراجعة المحتوى المتطرف المنشور باللغة العربية عبر الإنترنت.
ونتج من هذه الشراكة ما أعلن عنه قبل فترة في بيان له عن إزالة 7.207.810 مليون محتوى متطرف وإغلاق 1554 قناة متطرفة خلال الربع الثاني من العام الحالي.
ورصد فريق "اعتدال" النشاط الرقمي الدعائي المنشور باللغة العربية على منصة "تيليغرام" والعائد لثلاثة تنظيمات إرهابية "القاعدة" و"هيئة تحرير الشام" و"داعش"، بحيث تصدرت المحتويات المتطرفة المزالة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي بـ 3.511.979 مليون محتوى متطرف في 535 قناة متطرفة، تلتها "هيئة تحرير الشام" بـ1.951.52 مليون محتوى في 403 قنوات، فيما بث تنظيم "داعش" 1.744.304 محتوى متطرف على 616 قناة متطرفة.
وقال البيان إن الجماعات نشطت في رمضان ببث المحتويات المتطرفة فوصلت إلى 615506 محتوى وإنشاء 81 قناة ولاحظ فريق الرصد في "اعتدال" كثافة نشاط تنظيم "القاعدة" الإرهابي في بث محتوياته المتطرفة وللمرة الأولى منذ فبراير 2022 حتى الآن، وذلك ببث 3.511.979 مليون محتوى متطرف ونشرها عبر 535 قناة.
وهناك من يرى أن بعضا ممن "تطرف" وانضم إلى "داعش" بدأ رحلته مع التطرف بسبب الأحوال الجيوسياسية وأن كثيرين جذبتهم الراديكالية بفعل الأحداث في سوريا، إذ وجه بعضهم شعوره الفطري بكراهية الاستعمار والظلم إلى مساندة "المظلومين" في سوريا متصورين أن "داعش" وبقية الجماعات المتحاربة هناك تسعى من أجل نصرة المظلومين.
ويبدو أن وجهة نظر سياسية اجتماعية تنتشر هذه الآونة بين الأوساط السياسية الأكاديمية والبحثية قوامها أن اندثار اليسار وحركات التحرر في العالم ترك فراغاً سياسياً وأيديولوجياً ملأته، أو ملأت جزءاً منه الجماعات المتطرفة.
لكن تبقى الفكرة المتطرفة متفردة في جاذبيتها متميزة في سحرها أخاذة في اختلافها ساخنة في نيرانها المشتعلة ولكن تبقى دائما في احتياج الى وسيلة لاستهداف اتباعها ومريديها. ولعقود عدة، مثلت المساجد وحلقات التحفيظ والمراكز الصيفية الوسيلة الأولى لإقناع الشباب بفكر الجماعات المتطرفة ولاستقطاب عناصر جديدة، لكنه زمن ولى مع دخول عنصر جديد أكثر تأثيراً وفاعلية متمثلاً في وسائل التواصل الاجتماعي.
ازمة مراقبة المحتوى داخل جميع شبكات وتطبيقات الانترنت يجب ان يتم إعادة صياغتها من خلال توافق عالمي عن ما هو الإرهاب، ومهما كثفت الحكومات من جهودها في مكافحة الإرهاب بصور منفردة لن يتحقق هذا التوافق.. فالخطوة الأولى والاهم هو إيجاد تعريف محدد وملزم عن الإرهاب وليس من المنطقى ان ما يراه البعض في الشرق إرهاب يراه الغرب من باب الحريات ، ومن الضرورى ان يتم ضم التعريف الجديد الى ميثاق الأمم المتحدة حتى يتثنى اتخاذ مزيد من الإجراءات مع شركات التواصل الاجتماعي لمعالجة مشكلة المحتوى المتطرف والعنيف واستغلال الميليشيات لهذه المنصات.